فقام
بعض الدارسين المهتمين بظاهرة ضعف التلاميذ وتدني مستواهم في اللغة
العربية حديثًا وكتابة، بعدة لقاءات مفتوحة مع مجموعات متنوعة من معلمي
اللغة العربية بمرحلة التعليم الأساسي؛ للوقوف على أهم أسباب هذا الضعف.
وأسفرت
هذه المقابلات عن أن مُعلِّم اللغة العربية ضمن الأسباب الحيوية والمهمة
لتفشي هذا الضعف. وقد أثار هؤلاء المعلمون العديد من الجوانب التي تدين
أكثرهم بضعف المستوى العلمي واللغوي.
من أهم هذه الجوانب ما يأتي:
*
معلم اللغة العربية درس بكليات الآداب أو التربية قسم اللغة العربية،
والغالبية العظمى منهم لم تكن دراسة اللغة العربية هدفهم، ولم يدرسوها
حبًّا في دراستها، بل أهَّلهم لدراستها إما المجموع أو الأمل في العمل بعد
التخرج بإحدى الدول العربية، أو المكافأة التي كانت تمنح لدراسي اللغة
العربية تشجيعًا لهم ولغيرهم حتى يُقْبلوا على دراستها، أي أنهم يدرسون
مواد لا تتفق مع ميولهم ولا تشبع رغباتهم؛ وبالتالي فتحصيلهم من أجل
النجاح لا من أجل السيطرة على فنون اللغة ومهاراتها، ومن الطبيعي ألا
ننتظر من مثل هؤلاء الدارسين أن يكونوا معلمين أكفاء.
* طالب قسم اللغة العربية اليوم هو معلم الغد، من أين يتكلم العربية الصحيحة وهو لم يسمعها من معلمه خلال مراحل تعليمه المختلفة؟!
*
في مرحلة التعليم الأساسي والمرحلة الثانوية لغة الدراسة هي اللغة العامية
الدارجة حتى في درس القواعد النحوية العربية، ودراسته الجامعية في أقسام
اللغة العربية تُلقى فيها أكثر المحاضرات بالعامية الدارجة، أضف إلى ذلك
ما عليه عدد لا بأس به من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من ضعف المستوى
اللغوي وهشاشة المادة العلمية.
* فإذا كان ربُّ البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلُّهم الرقص!!
*
ومن الأمور الخطيرة أن ينصرف اهتمام الكثير من أعضاء هيئة التدريس
بالجامعات – خاصة الجامعات الإقليمية – إلى بيع كتبهم ومذكراتهم أكثر من
اهتمامهم بالمادة العلمية التي يقدمونها، بل أكثر من مواظبتهم على
محاضراتهم؛ فقد لا تتعدى المحاضرات عدد أصابع اليدين طوال العام الدراسي.
وحدِّث في هذين الجانبين ولا حرج، نتيجة ذلك يضطر الطلاب إلى الاعتماد على
الكتاب يحفظونه عن ظهر قلب دون فهم أو تدريب، فكيف يكون الحال إذا كان هذا
الكتاب من كتب النحو؟ إن دراسة النحو لا تؤتي ثمارها إلا لمن وعى مفاهيمها
وتمكن من أساليبها وعرف مبادئها وتدرّب عليها.
ولو بحثنا إعداد معلم اللغة العربية بكليات التربية نجد أن:
1-
الطالب مشتت بين المواد التربوية والمواد الأكاديمية، كم من المواد
الدراسية والكتب التربوية والأكاديمية لا يستفيد منها في وظيفته كمعلم إلا
قليلاً.
2- التدريب العملي لهؤلاء الطلاب لا يحقق أهدافه المرجوة لعدة أسباب:
أ-
يتم أحيانًا توزيع مجموعات كبيرة من الطلاب على مدارس محدودة الفصول لا
تحتمل هذه الأعداد؛ مما يؤدى إلى قصر عملية التدريس على القليل من هؤلاء
الطلاب وحرمان الآخرين.
ب- حتى لو كان عدد المجموعات مناسبًا، فلا يمارس الطالب عملية التدريس سوى مرتين أو ثلاث على الأكثر طوال العام.
ج-
بعض المدارس لا تسمح للمتدربين إلا بحصة أو حصتين فقط في يوم التدريب،
وتعتبر يوم التدريب مضيعة للوقت، هذا بالإضافة إلى أن المدرسين الأساسيين
ينتقدون الطلاب المتدربين ويستهينون بهم أمام التلاميذ.
د- تهاون الكثير من المشرفين الفنيين على هؤلاء الطلاب في متابعتهم وتوجيههم وتقويم أدائهم.
ومن
العوامل المؤثرة في مستوى المعلم أيضًا - كما يراها المعلمون أنفسهم - قلة
الدخل الشهري لهم، خاصة مُدرِّس اللغة العربية بالمدارس الخاصة؛ إذ إنهم
يتقاضون مرتبات أقل من زملائهم معلمي اللغات والرياضيات أو العلوم.
ترقية
المعلمين تتم وفق الأقدمية لا وفق الكفاءة والتميز؛ مما يدفع الكثير منهم
إلى عدم المبالاة وعدم الحماس لتنمية نفسه مهنيًّا وعلميًّا، واكتساب
مهارات جديدة لمسايرة التطور التكنولوجي.